هكذا تغيّرت المواقف بتغيّر الأحوال ...

  محيط البوك الخبر

  طباعة  
هكذا تغيّرت المواقف بتغيّر الأحوال ...

   الكاتب :

 

 الزوار : 2212   الإضافة : 2011-02-12

 

ليس قليلاً أن يمارس فريق لبناني، خلال فترة لا تتجاوز شهراً واحداً، ثلاثة أشكال من الانقلابات: - الانقلاب الأول هو انقلاب على العهود والمواثيق، وقد تمثل بممارسة التعطيل الحكومي ثم باستقالة 11 وزيراً من "حكومة الوحدة الوطنية"، خلافاً لاتفاق الدوحة. - الانقلاب الثاني هو انقلاب على الدستور، وقد تمثل بترهيب فريق من اللبنانيين، والتهديد باستخدام السلاح ضدهم،

في استعادة لأجواء تشكيل حكومة الحريري:

هكذا تغيّرت المواقف بتغيّر الأحوال... الأزمة أخلاقية أولاً!

فادي شامية- السبت,12 شباط 2011 الموافق 9 ربيع الأول 1432 هـ

ليس قليلاً أن يمارس فريق لبناني، خلال فترة لا تتجاوز شهراً واحداً، ثلاثة أشكال من الانقلابات:

- الانقلاب الأول هو انقلاب على العهود والمواثيق، وقد تمثل بممارسة التعطيل الحكومي ثم باستقالة 11 وزيراً من "حكومة الوحدة الوطنية"، خلافاً لاتفاق الدوحة.

- الانقلاب الثاني هو انقلاب على الدستور، وقد تمثل بترهيب فريق من اللبنانيين، والتهديد باستخدام السلاح ضدهم، بهدف التأثير على عدد من النواب لنقلهم سياسياً من فريق لآخر، بحيث تنقلب الأكثرية النيابية إلى أقلية والأقلية النيابية إلى أكثرية.

- أما الانقلاب الثالث فهو انقلاب على منظومة كاملة من المواقف والمبادئ التي أسست لحقبة سياسية كاملة.

وبما أن الانقلابين الأول الثاني باتا واضحين المعالم -وقد حصلا على كل حال-، وبما أنه من المفيد توضيح معالم الانقلاب الثالث -قيد الانجاز-، فلا بد لنا من استعادة أجواء تشكيل حكومة الرئيس الحريري المستقيلة، واستعراض المواقف التي واكبت تشكيلها، ثم مقارنتها مع المواقف التي تواكب تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية، لتتضح صورة وحجم هذا الشكل الثالث من الانقلابات التي مارسها فريق 8 آذار مؤخراً!.

1- عشية فوزه في الانتخابات النيابية الأخيرة بأغلبية 71 نائباً أعلن الرئيس الحريري مد يده إلى الفريق الآخر "للعمل معاً على حماية البلد". الحريري كان صادقاً في "سياسة اليد الممدودة"، لكن الفريق الآخر لم يكن كذلك، بدليل أنه تلقّف رغبة الحريري بتشكيل "حكومة وحدة وطنية" -عند تكليفه بتشكيلها- غير أن هذا الفريق لم يسم الحريري لرئاسة الحكومة (سمّاه من فريق "8 آذار" حركة "أمل" و"الطاشناق" فقط) فأخذ 86 صوتاً من أصل 128، ثم وضعوا له العراقيل حتى اضطروه للاعتذار عن تشكيل الحكومة، بعد شهرين ونصف من المفاوضات، ولما أعادت الأغلبية النيابية تسميته، نال 73 صوتاً فقط (71+نائبا "الطاشناق")، بعد أن تراجعت حركة "أمل" عن تسميته بدعوى أنه لمّح لإمكانية تشكيل حكومة لا تضم الجميع في حال عجز عن تشكيل هكذا حكومة!.

2- بعد تكليفه تشكيل الحكومة، حاول الرئيس الحريري إقامة شراكة بلا تعطيل، وتفاهم يلغي انقسام 8 و14 آذار، فكان شرط الفريق الآخر هو الحصول على "الثلث الضامن" لفريقه (المصطلح للسيد حسن نصر الله) حتى تكون الشراكة حقيقية، إذ "لا يوجد نصف مشاركة في قاموسنا، فإمّا مشاركة كاملة أو لا مشاركة من قبلنا" (موقف للنائب طلال إرسلان بعد اجتماعه بالنائب ميشال عون في 7/7/2009). هذا المطلب نفسه صار تعجيزياً وفق فريق 8 آذار مجتمعاً اليوم، إذ لا عودة للتعطيل، كما يقول الوزير جبران باسيل. علماً أن النائب سليمان فرنجية كان أقر أن "الثلث المعطل" حق لـ 14 آذار إذا رغبت بالمشاركة، فلما أبدت رغبتها عاد وقال: "نريد 20 وزيراً لنا"، أي أن سقف مشاركة 14 آذار مع رئيس الجمهورية لا يتجاوز 10 وزراء -وهو ما أبلغه الرئيس ميقاتي للرئيس الجميل أيضاً-!.(أثناء تشكيل حكومة الحريري لم تكتف 8 آذار بأخذ "الثلث المعطل"، بل طالبته أن يرضي كل الأطراف فيها عند توزيع هذا الثلث، أي أنها نقلت عبء مواجهة الصراع على الحصص منها إليه!).

3- أثناء التفاوض على حجم مشاركة 8 آذار في الحكومة، طرح النائب ميشال عون النسبية قائلاً: "النسبية ليست كلمة في الدستور بل هي نسبة إلى عدد... ومن الطبيعي أن يكون للأكثرية في الحكومة العدد الأكثري وللأقلية العدد الأقلّي ولكن نسبة إلى كل كتلة برلمانية" (13/7/2009). أما الوزير جبران باسيل فقال: "في كل دول العالم حكومة الوحدة الوطنية تكون نسخة عن مجلس النواب... ونحن نطالب بـ13 وزيراً لأنها حصتنا الحقيقية، فهذه هي النسبية" (مقابلة مع "الأسبوع العربي" و"ماغازين" في 31/7/2009). وبطبيعة الحال، فقد بلع باسيل موقفه السابق بعد تكليف الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة، إذ لم تعد النسبية "حصة حقيقة"، ولم يعد الثلث+1 مقبولاً!.

4- بعد موافقة الرئيس الحريري على منح 8 آذار "الثلث المعطل مموهاً"، اعتبر هذا الفريق أن الثلث غير كافٍ لوحده، ما لم يحصل على حقيبتين سياديتين من أصل أربع. يقول الوزير جبران باسيل: "التيار الوطني الحر يطالب بوزارة الداخلية –إضافة إلى الخارجية التي نالتها حركة "أمل"-من أجل وضع اليد على الأجهزة الأمنية لتعمل المؤسسات والبلد وكل الناس، ولكي لا تكون أجهزة فئوية" (31/7/2009)، أما زميله وليد خوري فاعتبر (15/8/2009) أن "لا تنازل عن الحقيبة السيادية، بعدما تنازلنا عن النسبية"، هذا مع التذكير أن هذه المطلب بالذات بلغ من اللا منطق أنه كان يعني أن تأخذ 8 آذار حقيبتين سياديتين ورئيس الجمهورية مثلهما، فيما 14 آذار التي فازت في الانتخابات تصبح بلا حقيبة سيادية!. أما اليوم وفي إطار التفاوض على مشاركة 14 آذار في الحكومة؛ فقد طرح الرئيس الجميل المبادلة، فالحقائب التي كانت مع 8 آذار بوصفها أقلية تصبح مع 14 آذار بوصفها صارت أقلية، والعكسي بالعكس، وبلا أية مطالب إضافية، لا نسبية ولا حقيبتين سياديتين، فكان الجواب هو الرفض!.

5- لم تكتف 8 آذار بما سبق كله، وإنما اشترطت أن يكون رئيس الحكومة بمثابة صندوق تضع فيه القوى السياسية أسماء الوزراء، دون أن تعطيه حق الاعتراض، حتى لو كانت التسميات تتضمن وزراء راسبين في الانتخابات التشريعية، وقد وصل الأمر إلى حد اعتبار رفض هذا الأمر تعنتاً من قبل رئيس الحكومة، حتى أن النائب ميشال عون لم يخجل من القول: "كرمال عيون صهر الجنرال (جبران باسيل) بلا حكومة"(31/7/2009). أما الصهر نفسه فقال في 7/9/2009: "نحن اليوم وتحت عنوان اليد الممدودة نتعرض للاضطهاد السياسي"، أي أنه اعتبر عدم موافقة رئيس الحكومة على بعض الأسماء والحقائب اضطهاداً سياسياً، أما أن يعتبر الرئيس سعد الحريري اليوم إخراجه من الحكومة، ثم رفض مشاركته فيها بمثابة اغتيال سياسي، فهذا وصف غير مقبول، ويشكل "لغة جديدة وأدبيات جديدة وهو نوع من الترهيب لفريق المعارضة" وفق السيد حسن نصر الله (1/2/2011)!.

6- بالانتقال إلى البيان الوزاري؛ فقد انتزع "حزب الله" من الحكومة؛ الثالوث الشهير: الشعب والجيش والمقاومة، مكرساً شخصية معنوية لـ "المقاومة"، ووافق بالمقابل على الفقرة المتعلقة بالمحكمة – وهي كانت أصلاً محل إجماع على طاولة الحوار وفي مؤتمر الدوحة- لكنه سرعان ما شن حملة شعواء على المحكمة، وصولاً إلى تهديده كل من يتعاون معها. ومع أن 14 آذار كانت تعلم أن لـ "حزب الله" موقفاً سلبياً مضمراً من المحكمة، إلا أنها لم تشترط عليه أن "يخلع ثوبه ويقبل بالخط السياسي الجديد" كشرط لدخول الحكومة، كما أعلن النائب ميشال عون في 1/7/2011، رافضاً بذلك علناً مشاركة 14 آذار في الحكومة!

7- أهم من ذلك كله؛ أن حكومة الوحدة الوطنية كانت خياراً وحيداً أمام الرئيس سعد الحريري، تحت طائلة تحميله مسؤولية ما سيحصل في البلد!- وقد وصل الأمر إلى حد التهديد باستخدام السلاح-، أما اليوم فقد باتت حكومة اللون الواحد خياراً مقبولاً لا يهدد السلم الأهلي، وللدلالة النصية على هذا الكلام يمكن استذكار عدداً من المواقف، على سبيل المثال لا الحصر؛ ففي 17/7/2009 قال السيد حسن نصر الله: "تعالوا نجرب بعضنا بعضاً في حكومة شراكة وتعاون"، مقترحاً في حال العرقلة "أن يستقيل رئيس الوزراء، ومن ثم تسمي الأكثرية من تراه"!!، وفي 3/9/2009 قال النائب ألان عون "إن المنطق الذي يقول إن الأكثرية تحكم والمعارضة تعارض هو منطق خاطئ لأن تركيبة البلد طائفية"!، وفي 11/10/2009 أعلن النائب علي عمار "أن الحل الطبيعي المنسجم مع روحية الصيغة اللبنانية القائمة على التعددية؛ هو قيام حكومة وحدة وطنية"، معتبراً "أن هذا المطلب ليس مطلباً للمعارضة ولا للثامن من آذار، إنما هو مطلب دستوري نصت عليه وثيقة الميثاق الوطني، وهو أساس في بناء الإستراتيجية الدفاعية"!، أما النائب نواف الموسوي فذهب أبعد من ذلك عندما قال في 17/9/2009 إن "اختيار حكومة توافقية هو الصائب، وغير ذلك يؤدي بلبنان إلى لا استقرار" وبعد ذلك بيومين أوضح قصده قائلاً: إن المرحلة (وقتها كانت 14 آذار تلمح إلى إمكانية وقف جهودها لتشكيل حكومة وحدة وطنية نتيجة شروط الطرف الآخر) تشبه مرحلة ما قبل انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي" في ما فُهم على أنه استعادة لأجواء ومناخات 7 أيار 2008!.

ولأن الوقائع السابقة تتحدث عن نفسها، فلا داعي لإضافة أي تعليق أو استنتاج، فالأفعال دائماً – لا سيما في السياسة- هي التي تحدد حقيقة الأقوال، والتزام التعهدات هو المعيار الفاصل لتحديد "المصداقية السياسية"، وأما التنكر للمواقف والأقوال أو الثبات عليها فهو الذي يفصل بين "الأخلاقية السياسية" و"الوصولية السياسية" لأي فريق، بغض النظر عن الكلام الجميل والخطابات المنمقة!.


 
          مواضيع ذات صلة  

  محيط البوك التعليقات : 0 تعليق

  محيط البوك إضافة تعليق


6 + 1 =

/300
  صورة البلوك اعلانك يحقق أهدافك
  صورة البلوك مكتبة الصوتيات الاسلامية
  صورة البلوك السيرة النبوية وحياة الصحابة

  صورة البلوك صور الاعشاب

  صورة البلوك الاطباق

  صورة البلوك جديد دليل المواقع